التكتم الذي أحاط بمخرجات الاجتماع الطارئ الذي عقده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه الأسبوع الماضي، يعكس حجم القلق داخل الدوائر الرسمية الفرنسية تجاه قرار الجزائر المفاجئ بوقف جميع أشكال التعاون مع باريس. وقد خصص الاجتماع لمناقشة هذه الأزمة غير المسبوقة، التي فجرها التصعيد العنصري لليميني المتطرف برونو روتايو، وما خلفه من توتر غير مسبوق في العلاقات الثنائية، إضافة إلى تجاوزه لصلاحيات الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته في ملف حساس كهذا.
حضور وزير الداخلية الفرنسي في اجتماع مخصص للشأن الخارجي لم يكن مفاجئا، بالنظر إلى مسؤوليته المباشرة عن تأجيج التوتر مع الجزائر، عبر تصريحاته العدائية المتكررة تجاه الجالية الجزائرية في فرنسا.
هذه المواقف أثارت موجة استياء في الشارع الفرنسي، الذي يعيش حالة غليان في ظل واحدة من أكثر المراحل اضطرابا في تاريخ البلاد الحديث.
ويأتي هذا الاجتماع في سياق أزمة اقتصادية خانقة، يحاول اليمين المتطرف استغلالها من خلال تحميل المهاجرين، وعلى رأسهم الجزائريون، مسؤولية التدهور الاجتماعي، رغم أن هذه الجالية كانت لعقود ركيزة أساسية في بناء الاقتصاد الفرنسي. لكن المشروع السياسي لروتايو، الذي يرتكز على خطاب رجعي متطرف، ألحق أضرارا جسيمة بقيم الجمهورية ومصالح فرنسا الاستراتيجية، لا سيما مع الجزائر، الشريك التاريخي الذي طالما لعب دورا محوريا في العلاقات المتوسطية.
الجزائر بدورها لم تكتف برد الفعل، بل أظهرت موقفا سياديا صارما يرفض منطق التبعية أو الكيل بمكيالين. هذا الموقف أربك السلطات الفرنسية، خاصة وزير الداخلية الذي، بحسب تقارير إعلامية فرنسية، يواجه ضغوطا نفسية متزايدة دفعته إلى متابعة طبية بمستشفى “سانت آن” للأمراض النفسية في باريس، بسبب تعامله المفرط مع الملف الجزائري وفشله في التأثير على مواقف الجزائر الثابتة.
ويبدو أن التصعيد المستمر من طرف روتايو تجاه الجزائر يثير حفيظة الطبقة السياسية الفرنسية، التي ترى في تصريحاته العنصرية محاولة مكشوفة لتوظيف الملف المغاربي في إطار السباق نحو زعامة حزب “الجمهوريون”، وهو الموقع الذي قد يفتح الطريق أمامه نحو الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في 2027.